الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.سورة القارعة: .تفسير الآيات (1- 11): {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}قرأ: {القارعةَ ما القارعةَ} بالنصب عيسى، قال جمهور المفسرين: {القارعة} يوم القيامة نفسها لأنها تقرع القلوب بهولها، وقال قوم من المتأولين: {القارعة} صيحة النفخة في الصور، لأنها تقرع الأسماع، وفي ضمن ذلك القلوب، وفي قوله تعالى: {وما أدراك} تعظيم لأمرها، وقد تقدم مثله، و{يوم}: ظرف، والعامل فيه {القارعة} وأمال أبو عمرو: {القارعة}، والفراش: طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب»، وقال الفراء: الفراش في الآية: غوغاء الجراد وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض والهواء، و{المبثوث} هنا معناه: المتفرق، جمعه وجملته موجودة متصلة، وقال بعض العلماء: الناس أول قيامهم من القبور {كالفراش المبثوث}، لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر، لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة، واختلف اللغويون في العهن، فقال أكثرهم: هو الصرف عاماً، وقال آخرون: وهو الصوف الأحمر، وقال آخرون: هو الصوف الملون ألواناً، واحتج بقول زهير:والفنا: عنب الثعلب، وحبه قبل التحطم منه الأخضر والأحمر والأصفر، وكذلك الجبال جدد بيض وحمر وسود وصفر، فجاء التشبيه ملائماً، وكون {الجبال كالعهن}، إنما هو وقت التفتيت قبل النسف ومصيرها هباء، وهي درجات، والنفش: خلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها، وفي قراءة ابن مسعود وابن جبير: {كالصوف المنفوش}، والموازين: هي التي في القيامة، فقال جمهور العلماء والفقهاء والمحدثين: ميزان القيامة بعمود ليبين الله أمر العباد بما عهدوه وتيقنوه، وقال مجاهد: ليس تم ميزان إنما هو العدل مثل ذكره بالميزان إذ هو أعدل ما يدري الناس، وجمعت الموازين للإنسان لما كانت له موزونات كثيرة متغايرة، وثقل هذا الميزان هو بالإيمان والأعمال، وخفته بعدمها وقلتها، ولن يخف خفة موبقة ميزان مؤمن. {عيشة راضية} معناه: ذات رضى على النسب، وهذا قول الخليل وسيبويه، وقوله تعالى: {فأمه هاوية} قال كثير من المفسرين: المراد بالأم نفس الهاوية، وهي درك من أدراك النار، وهذا كما يقال للأرض: أم الناس لأنها تؤويهم، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب: فنحن بنوها وهي أمنا، فجعل الله الهاوية أم الكافر لما كانت مأواه، وقال آخرون: هو تفاؤل بشر فيه تجوز في أم الولاد، كما قالوا: أمه ثاكل وخوى نجمه وهوى نجمه ونحو هذا، وقال أبو صالح وغيره: المراد أم رأسه لأنهم يهوون على رؤوسهم، وقرأ طلحة: {فإمُّه} بكسر الهمزة وضم الميم المشددة، ثم قرر تعالى نبيه على دراية أمرها وتعظيمه ثم أخبره أنها {نار حامية}، وقرأ: {ما هي} بطرح الهاء في الوصل ابن إسحاق والأعمش، وروى المبرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: لا أم لك، فقال: يا رسول الله، أتدعوني إلى الهدى وتقول: لا أم لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أردت لا نار لك،» قال الله تعالى: {فأمه هاوية}. .سورة التكاثر: .تفسير الآيات (1- 8): {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}ألهى معناه: شغل بلذاته، ومنه لهو الحديث والأصوات واللهو بالنساء، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر، وقرأ ابن عباس وعمران الجوني وأبو صالح: {أألهاكم} على الاستفهام، و{التكاثر} هي المفاخرة بالأموال والأولاد والعدد جملة، وهذا هجيرى أبناء الدنيا: العرب وغيرهم لا يتخلص منهم إلا العلماء المتقون، وقد قال الأعشى: [السريع]وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت»، واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى: {حتى زرتم المقابر}، فقال قوم: حتى ذكرتم الموت في تفاخركم بالآباء والسلف، وتكثرتم بالعظام الرمام، وقال المعنى: حتى متم وزرتم بأجسادكم مقابرها أي قطعتم بالتكاثر أعماركم، وعلى هذا التأويل روي أن أعرابياً سمع هذه الآية فقال: بعث القوم للقيامة ورب الكعبة، فإن الزائر منصرف لا مقيم، وحكى النقاش هذه النزعة من عمر بن عبد العزيز، وقال آخرون: هذا تأنيب على الإكثار من زيارة القبور أي حتى جعلتم أشغالكم القاطعة بكم عن العبادة والتعلم زيارة القبور تكثراً بمن سلف وإشادة بذكره، وقال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ولا تقولوا هجراً» فكان نهيه عليه السلام في معنى الآية، ثم أباح بعد لمعنى الاتعاظ لا لمعنى المباهاة والتفاخر كما يصنع الناس في ملازمتها وتسنيمها بالحجارة والرخام وتلوينها شرفاً وبنيان النواويس عليها، وقوله تعالى: {كلا سوف تعلمون} زجر ووعيد ثم كرر تأكيداً، ويأخذ كل إنسان من الرجز والوعيد المكررين على قدر حظه من التوغل فيما يكره، هذا تأويل جمهور الناس، وقال علي بن أبي طالب: كلا ستعلمون في القبور ثم كلا ستعلمون في البعث، وقال الضحاك: الزجر الأول وعيده هو للكفار والثاني للمؤمنين، وقرأ مالك بن دينار: {كلا ستعلمون} فيهما، وقوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين} جواب {لو} محذوف مقدر في القول أي لازدجرتم وبادرتم إنقاذ أنفسكم من الهلكة، و{اليقين} أعلى مراتب العلم، ثم أخبر تعالى الناس أنهم يرون الجحيم، وقرأ ابن عامر والكسائي: {لتُرون} بضم التاء، وقرأ الباقون بفتحها وهي الأرجح، وكذلك في الثانية، وقرأ علي بن أبي طالب بفتح التاء الأولى وضمها في الثانية، وروي ضمها عن ابن كثير وعاصم، وترون أصله ترأيون نقلت حركة الهمزة إلى الراء وقلبت الياء ألفاً لحركتها بعد مفتوح، ثم حذفت الألف لسكونها. وسكون الواو بعدها ثم جلبت النون المشددة فحركت الواو بالضم لسكونها وسكون النون الأولى من المشددة إذ قد حذفت نون الإعراب للبناء، وقال ابن عباس: هذا خطاب للمشركين، فالمعنى على هذا أنها رؤية دخول. .سورة العصر: .تفسير الآيات (1- 3): {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}قال ابن عباس: {العصر}: الدهر، يقال فيه عصر وعصر بضم العين والصاد، وقال امرؤ القيس:وقال قتادة: {العصر} العشي، وقال ابي بن كعب: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال: {أقسم ربكم بآخر النهار}، وقال بعض العلماء: وذكره أبو علي {العصر}: اليوم، {والعصر} الليلة ومنه قول حميد: [الطويل] وقال بعض العلماء: {العصر}: بكرة والعصر: عشية وهما الأبردان، وقال مقاتل: {العصر} هي الصلاة الوسطى أقسم بها، و{الإنسان} اسم الجنس، والخسر: النقصان وسوء الحال، وذلك بين غاية البيان في الكافر لأنه خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وأما المؤمن وإن كان في خسر دنياه في هرمه وما يقاسيه من شقاء هذه الدار فذلك معفو عنه في جنب فلاحه في الآخرة وربحه الذي لا يفنى، ومن كان في مدة عمره في التواصي بالحق والصبر والعمل بحسب الوصاة فلا خسر معه، وقد جمع له الخير كله، وقرأ علي بن أبي طالب: {والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان}، وفي مصحف عبد الله: {والعصر لقد خلقنا الإنسان في خسر}، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ {إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر إلا الذين}، وقرأ عاصم والأعرج: {لفي خسُر} بضم السين، وقرأ سلام أبو المنذر: {والعصِر} بكسر الصاد {وبالصبٍر} بكسر الباء، وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة، وروي عن أبي عمرو: {بالصبِر} بكسر الباء إشماماً، وهذا أيضاً لا يكون إلا في الوقف. نجز تفسير سورة {العصر}. .سورة الهمزة: .تفسير الآيات (1- 9): {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}{ويل} لفظ يجمع الشر والحزن، وقيل {ويل}: واد في جهنم، والهمزة الذي يهمز الناس بلسانه أي يعيبهم، ويغتابهم، وقال ابن عباس: هو المشاء بالنميم.قال القاضي أبو محمد: ليس به لكنهما صفتان تتلازم، قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} [القلم: 11]، وقال مجاهد: الهمزة الذي يأكل لحوم الناس، وقيل لأعرابي: أتهمز إسرائيل فقال: إني إذاً لرجل سوء، حسب أنه يقال له أتقع في سبه، واللمزة قريب من المعنى في الهمزة، قال الله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم} [الحجرات: 11]، وقرأ ابن مسعود والأعمش والحسن: {ويل الهمزة اللمزة}، وهذا البناء الذي هو فعلة يقتضي المبالغة في معناه، قال أبو العالية والحسن: الهمز بالحضور واللمز بالمغيب، وقال مقاتل ضد هذا، وقال مرة: هما سواء، وقال ابن أبي نجيح: الهمز باليد والعين: واللمز باللسان، وقال تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58] وقيل نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق وقيل في جميل بن عامر الجمحي ثم هي تتناول كل من اتصف بهذه الصفات، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والحسن وأبو جعفر: {جمّع} بشدة الميم، والباقون بالتخفيف، وقوله: {وعدده} معناه: أحصاه وحافظ على عدده وأن لا ينتقص، فمنعه من الخيرات ونفقة البر، وقال مقاتل: المعنى استعده وذخره وقرأ الحسن: {وعدَدَه} بتخفيف الدالين، فقيل المعنى جمع مالاً وعدداً من عشرة، وقيل أراد عدداً مشدداً فحل التضعيف، وهذا قلق، وقوله: {يحسب أن ماله أخلده} معناه: يحسب أن ماله هو معنى حياته وقوامها، وأنه حفظه مدة عمره ويحفظه، ثم رد على هذه الحسبة وأخبر إخباراً مؤكداً أنه ينبذ {في الحطمة} أي التي تحطيم ما فيها وتلتهبه، وقرأ: {يحسَب} بفتح السين الأعرج وأبو جعفر وشيبة، وقرأ ابن محيصن والحسن بخلاف عنه: {لينبذان} بنون مكسورة مشددة قبلها ألف، يعني هو ماله، وروي عنه ضم الذال على نبذ جماعة هو ماله وعدده، أو يريد جماعة الهمزات ثم عظم شأنها وأخبر أنها {نار الله الموقدة} التي يبلغ إحراقها القلوب ولا يخمد، والفؤاد القلب، ويحتمل أن يكون المعنى أنها لا يتجاوزها أحد حتى تأخذه بواجب عقيدة قلبه ونيته فكأنها متطلعة على القلوب باطلاع الله تعالى إياها، ثم أخبر بأنها عليهم موصدة ومعناه مطبقة أو مغلقة، قال علي بن أبي طالب: أبواب النار بعضها فوق بعض، وقوله تعالى: {في عمد} هو جمع عمود كأديم وأدم، وهي عند سبيويه أسماء جمع لا جموع جارية على الفعل، وقرأ ابن مسعود: {موصدة بعمد ممدّدة}، وقال ابن زيد: المعنى في عمد حديد مغلولين بها والكل من نار، وقال أبو صالح: هذه النار هي في قبورهم، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: {عُمُد} بضم العين والميم، وقرأ الباقون وحفق عن عاصم بفتحهما، وقرأ الجمهور: {ممددةٍ} بالخفض على نعت العمد، وقرأ عاصم: {ممددة} بالرفع على اتباع {موصدة}.نجز تفسيرها بحمد الله..سورة الفيل: .تفسير الآيات (1- 5): {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}{كيف} نصب بفعل والجمهور على أنه فيل واحد، وقال الضحاك: ثمانية، فهو اسم الجنس وقوله مردود، وحكى النقاش: ثلاثة عشر، وهذه السورة تنبيه على الاعتبار في أخذ الله تعالى لأبرهة ملك الحبشة ولجيشه حين أم به الكعبة ليهدمها، وكان صاحب فيل يركبه، وقصته مشروحة في السير الطويلة، واختصاره أنه بنى في اليمن بيتاً وأراد أن يرد إليه حج العرب، فذهب أعرابي فأحدث في البيت الذي بنى أبرهة فغضب لذلك واحتفل في جموعه وركب الفيل وقصد مكة، وغلب من تعرضه في طريقه من قبائل العرب، فلما وصل ظاهر مكة وفر عبد المطلب وقريش إلى الجبال والشعاب، وأسلموا له البلد وغلب طغيانه، ولم يكن للبيت من البشر من يعصمه ويقوم دونه، جاءت قدرة الواحد القهار وأخذ العزيز المقتدر، فأصبح أبرهة ليدخل مكة ويهدم الكعبة فبرك فيله بذي الغميس ولم يتوجه قبل مكة فبضعوه بالحديد فلم يمش إلى ناحية مكة وكان إذا وجهوه إلى غيرها هرول، فبينا هم كذلك في أمر الفيل بعث الله {عليهم طيراً} جماعات جماعات سوداً من البحر وقيل خضراً، عند كل طائر ثلاثة أحجار في منقارة ورجليه وكل حجر فوق العدسة ودون الحمصة فرمتهم بتلك الحجارة، فكان الحجر منها يقتل المرمي وتتهرى لحومهم جذرياً، وأسقاماً، فانصرف أبرهة بمن معه يريد اليمن فماتوا في طريقهم متفرقين في كل مرحلة، وتقطع أبرهة أنملة أنملة حتى مات وحمى الله بيته المرفع، فنزلت الآية منبهة على الاعتبار بهذه القصة، ليعلم الكل أن الأمر كله لله، ويستسلموا للإله الذي ظهرت في ذلك قدرته، حين لم تغن الأصنام شيئاً ف {أصحاب الفيل}: أبرهة الملك ورجاله، وقرأ أبو عبد الرحمن: {ألم ترْ} بسكون الراء، والتضليل الخسار والتلف، والأبابيل: جماعات تجيء شيئاً بعد شيء، قال أبوعبيدة: لا واحد له من لفظه وهذا هو الصحيح لا ما تكلفه بعض النحاة وقال [معبد بن أبي معبد الخزاعي]: [البسيط]وقد تقدم تفسير حجارة السجيل غير مرة، وهي من سنج وكل أي ماء وطين، كأنها الآجر ونحوه مما طبخ، وهي المسومة عند الله تعالى للكفرة الظالمين، و{العصف}: ورق الحنطة وتبنه ومنه قول علقمة بن عبدة: [البسيط] والمعنى صاروا طيناً ذاهباً كورق حنطة أكلته الدواب وراثته فجمع المهانة والخسة وأتلف، وقرأ أبو الخليج الهذلي {فتركتهم كعصف}، قال أبو حاتم، وقرأ بعضهم: {فجعلتهم} يعنون الطير بفتح اللام وتاء ساكنة، وقال عكرمة: العصف حب البر إذا أكل فصار أجوف، وقال الفراء: هو أطراف الزرع قبل أن يسنبل، وهذه السورة متصلة في مصحف أبي بن كعب بسورة {لإيلاف قريش} لا فصل بينهما، وقال سفيان بن عيينة: كان لنا إمام يقرأ بهما متصلة سورة واحدة.
|